الحزن
لسببٍ مّا نصاب أحياناً بالحزن , ربّما لفقدان شيء يعني لنـــا الكثير أو لرحيل إنســـانـ لانستوعب فكرة رحيله ولانملك القدرة على مواجهة واقع غيابه أو لسمـــاع نبأ حزنـ يقع علينــا وقوع الجبل أو لرؤية مشاهد تثير بنــا من الأحاسيس مانكره .. وعندها يتجوّلُ بنـــا إحســـاس الحزن ..
قد يأخذُ دورته القصيرة بنا ثمّ يرحل بلا بصمة غائرة أو أثر يذكر ..
وقد يتضخّمُ بنـا بشكل مخيف , يتفرّع فينا كالأشجار العتيقة , ويصبح مع الوقت شيئاً لا يمكننا التخلّص منه .. لأن أعماقنــا أصبحت لجذوره وطنـ وبقاءه يفقدنا الكثير .
فمع مرور الوقت نصبح اسرى للحزن ونفقد إحساسنــا بمتعة الأشياء ونفقد الإحســـاس بالحياة ذاتها . فلا نرى من الوجوه سوى وجه الحزن الذي ينمو بنا مع الوقت كـ جنين غير مرغوب فيه ..
وكلّمـــا مرّ بنـا العمر كلّما صعب علينا التخلّص من الحزن . لأننا دون أن نشعر نعجِنُ منه ونشكّل به ونصبح كتلة من الحزن , كتلة يتحاشاها الآخرون تجنّباً لعدوى الحزن .
فالحزن إحساس ينتقل منّا كالعدوى إلى الآخرين .. وقد نكتشف حجم الوحدة من حولنا حين نكتشف تقلّص عدد المحيطين بنـــا أو غياب النّاس من حولنا . فـ لكلٌّ همّهُ الذي لم يبقى فيه لهموم الآخرين مكان .. فنحنُ بزمنٍ لايمنحُ الفرح إلاّ قليلاً .
لذلك نرى تسارع الأغلبية لكلّ مافيه للفرح رائحة والبعد عن أهل الحزن تجنّباً للمزيد من الهم ..
ونشعر أحياناً بأن الحزن قد غادرنا بلا عودة ولكنّنا سريعا مانعود للشّعور بالإحباط حين نكتشف قصر عمر الفرح في عمرنا ..
ونكتشف ان الحزن كان يمازحنا حينما أختبأ عنّا ( ربّما كي يظهر بصورة أكبر وأقوى ) ..
أخذ الحزن منّا الكثير , ونصاب بالرّعب حين نرى مقدار ما أخذ ..
نحن ُ من منحناهُ أكثر ممّا يستحقّ ونحنُ من فتحنا لهُ أبوابنا على اتّساعها ونحنُ من وهبناه حقّ الإقامة الدائمة بنا ونحنُ من صبغنا ولونّا أعماقنا بألوانه ونحنُ من اتّخذناهُ حاجزاً أو حائطاً أو سوراً مرتفعاً يحول بيننا وبين الشّطر الآخر من الحياة ذلك الجزء الجميل الذي لمـ يتركـ لنا الحزن فرصة التجوّل فيه ..
لكن إلى متى ؟
إلى متى نبقى أوفيـــاء لحزنٍ عتيق ؟
إلى متى سنحتفظ بصناديق الحزن في أعماقنا ؟
إلى متى سنبقى سجنــــاء دائرة مظلمة ؟
إلى متى سنبقى خلف الحائط الفاصل بيننا وبين الفرح ؟
إلى متى سيبقى قيدنا في يد الحزن يسحبنا ويجرّنا ويأخذنا إلى مدن بعيدة عن الحياة ؟
إذا كنت من ضحايا الحزن طويل الأمد ,, فاسأل نفسك ماذا أبقى الحزن لك ؟
أسأل الحزن .. ماذا أبقيت لي أيها الحزن ؟
ثمّ تلفّت حولك وتجوّل بداخلك لتقرأ إجابة سؤالك ..
أخيراً
الحزن مدينة مغلقة لايملك مفاتيحها إلاّ أنت