الطاهرة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى أزواجه الطيبات الطاهرات المنزهات عن قول أهل الإفك المبرآت. وسلم كثيرا وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذه صورة مشرقة ونموذجا فريدا لأطهر النساء وأنبل الزوجات، أزواج المصطفى صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، والمؤمنات، نضعها بين يدي كل مسلم ومسلمة، لنجد فيها القدوة الفذة والأسوة الحسنة فنأتس ونقتدي بهن والله نسأل أن يجعلنا من التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
لماذا نتدارس حياة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؟
1- لتكون قدوة للنساء.
2- لنتعلم السعادة الزوجية.
3- لمعرفة دقائق حياة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته.
4- لمعرفة أمهات المؤمنين وفضلهن على النساء.
خصائص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [سورة الأحزاب: 6].
قال الحافظ البيهقي: "تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة، واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسع، وكان له جاريتان.
نساؤه التسع اللاتي مـات عنهن هن: سـودة بنت زمعـة، وعائشـة، وحفصـة، وأم حبيبـة، وزينب بنت جحش، وأم سلمة، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، وصفية بنت حُيَيّ الهارونية رضي الله عنهن جميعاً. واللاتي دخل بهن صلى الله عليه وسلم التسع هؤلاء زائداً زينب بنت خزيمة، وأم شريك. والمرأتان اللتان لم يدخل بهما هما عمرة بنت يزيد الغفارية والشنباء، والجاريتان اللتان لم يضرب عليهما الحجاب هما مارية القبطية وريحانة رضي الله عنهن جميعاً".
اسمهـا ونسبها
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وأمها فاطمة بن زائدة العامرية. (سيرة ابن هشام والإصابة والاستيعاب).
زواجهـــا
أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها أول أزواج المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وكانت امرأة حازمة، شريفة، لبيبة، عاقلة، تاجرة، وكانت تستأجر الرجال على مالها مضاربة.
فلما سمعت بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمانته عرضت عليه أن يخرج في تجارتها إلى الشام مع غلامها مَيْسرة. فلما عاد من الشام بأرباح كثيرة، وأخبرها ميسرة ببعض ما رآه عليه من الكرامات، وبصدقه وأمانته، رغبت في زواجه، فذكر ذلك لأعمامه، فذهب معه حمزة إلى أبيها خويلد بن أسد، فخطبها وتزوجها، فأصدقها عشرين بَكْرَة.
وكانت خديجة رضي الله عنها قبل الزواج بالنبي صلى الله عليه وسلم تحت أبي هالة بن زرارة التميمي، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم بعده النبي صلى الله عليه وسلم فبنى بها وله خمس وعشرون سنة، وكانت أسن منه بخمس عشرة.
إسلامها
كانت رضي الله عنها أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدقته قبل كل أحد، وثبتت جأشه. (سير أعلام النبلاء).
أم أولاده
هي أم أولاده سوى إبراهيم فإنّ أمه مارية القبطية، فولدت له صلى الله عليه وسلم من الذكور: القاسم وبه كان يكنى، وعبد الله وقيل هو الطاهر، والطيب سمي بذلك لأنّه ولد في الإسلام، وقيل غير ذلك، وولدت له من البنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن أجمعين. (طبقات ابن سعد، تسمية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأولاده).
مناقبها
لها من المناقب الشيء الكثير لكن حسبنا أن نشير إلى أبرز تلك المناقب:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلاّ عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها... فغضب ثم قال: «لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنتْ بي إذْ كفرَ النّاس، وصدَّقتني إذ كذّبَني النّاس، وواستني بمالها إذ حرمنـي النّاس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النّساء»... قالت عائشة: فقلتْ في نفسي: لا أذكرها بعدها بسبّةٍ أبداً".
2- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة» [رواه البخاري].
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: إنها كانت وكانت، وكان ولي منها ولد" [رواه البخاري]. وفي رواية المسند «خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون».
4- عن يحي عن إسماعيل قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما «بشر النبي صلى الله عليه وسلم خديجة؟ قال: نعم، ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب» [رواه البخاري].
القصب: لُؤْلُؤٌ مُجَوَّف واسع كالقَصْر المُنِيف المجوف.
النصب: التعب والمشقة والكد.
الصخب: الضَّجَّة، واضطرابُ الأصواتِ وارتفاعها للخِصَام.
5- عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون» [رواه أحمد و الحاكم].
الزوجة الصالحة والقدوة الناصحة
ومن كمال عقلها وبعد نظرها، حرصها ـ رضي الله عنها ـ على توفير الهدوء والاستقرار له صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، حيث لم تذكر كتب السيرة والتراجم أنها عكرت عليه يوماً أو غاضبته أو ساءته أو تأففت، أو ترفعت عليه بمالها. وهذا من رجاحة العقل بعد تسخير الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم. فكانت تتحمل فراقه الأيام والليالي وهو في غار حراء، بل وتعينه بإرسال كل ما يحتاج إليه من طعام وشراب مع غلمانها وهو في خلوته، هذا مع حبها العظيم له ومكابدتها البعد عنه.
ومن تمام صلاحها ونصحها حينما نزل على نبي الله صلى الله عليه وسلم ما نزل من أمر الوحي وعاد إليها خائفا وهو يقول: «زملوني، زملوني». فزملته رضي الله عنها وأحاطته برعايتها وعطفها وحنانها. ولم تبادر إلى سؤاله صلى الله عليه وسلم عما حدث، وهذا من ذوقها رضي الله عنها وحسن أدبها وصواب تفكيرها، بل انتظرت حتى هدأت نفسه الشريفة، وذهب عنه ما كان يجد من اضطراب، عندئذ سألته، فقص عليها صلى الله عليه وسلم ما رأى وأخبرها بما سمع. وقال لها: «لقد خشيت على نفسي» فقالت له رضي الله عنها بكل حزم وثقة على الله: "كلا والله ما يخزيك الله أبدا"، وفي رواية أخرى: "كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا.." [رواه البخاري].
ما أعقلك وما أحزمك وما أعظم ثقتك بربك يا أم المؤمنين؟
وفي هذا يقول الإمام ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "وفيه بيان تصديقها للنبي صلى الله عليه وسلم في أول وهلة، ومن ثباتها في الأمر ما يدل على قوة يقينها ووفور عقلها، وصحة عزمها".
لقد حباها الله حسن التفكير وسلامته واللذين هما من الركائز الأساسية للوسائل المعنوية في الدعوة، تمثل ذلك في التالي:
1- نجاحها في تجارتها، وحسن تصرفها في تنمية أموالها بالطرق المشروعة من التكسب.
2- حسن اختيارها للزوج الصالح، تمثل ذلك في تخطيطها للزواج به صلى الله عليه وسلم، وقد كان لها ذلك.
3- تثبيتها له صلى الله عليه وسلم عند بدء نزول الوحي بأقوالها السديدة والمبشرة له صلى الله عليه وسلم بأنّه سيكون نبي هذه الأمة بإذن الله.
4- تصرفها الرشيد بأخذه صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لمشورتة لما بدأه نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم.
5- صواب رأيها في سبقها إلى الإيمان به صلى الله عليه وسلم لما رأت العلامات الدالة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم.
هذا ومن دلائل كريم أخلاقها وجميل صفاتها رضي الله عنها ما يلي:
1- كرمها وجودها ببذلها مالها كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها.
2- حبها له صلى الله عليه وسلم وحبها لمن يحب، فقد أحبت علياً رضي الله عنه ووهبت غلامها زيد بن حارثة له صلى الله عليه وسلم.
3- صبرها على فراقه صلى الله عليه وسلم الليالي والأيام وهو في خلوته في غار حراء.
4- صبرها على مشاق الدعوة وأذى المشركين وتخفيفها على رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يلقى في ذلك.
5- دعوتها بناتها إلى الإسلام فأسلمن جميعا.
6- مؤازرتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدخولها معه في الشعب وقت المحاصرة.
الدروس المستفادة من حياتها
أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها أعلى مثال للمرأة المسلمة فيما ينبغي لها أن تكون عليه في أخلاقها من الوفاء للزوج وحسن الخلق معه، ونصرته وتقويته على الحق الذي يرفع لواءه ويدعو إليه.
وقد آن للمرأة المسلمة ـ بعد ما شردت طويلا ـ أن ترنو ببصرها إلى أعظم قدوة وأكرم مثال لها من سلف هذه الأمة من الصالحات، وعلى رأسهن أمهات المؤمنين، وذلك لتشق طريق العز والمجد والكرامة من جديد.
1- رجاحة العقل في اختيار الزوج الصالح والمبادرة إلى خطبته، حرصا على الخير والصلاح في الذرية، تبين ذلك من خلال إبداء الرغبة الصادقة للنبي صلى الله عليه وسلم في الزواج منه.
2- الحث على إيثار محبة الزوج وراحته من لدن الزوجة الصالحة على محبة النفس ورغبتها في القرب من المحبوب، تمثل ذلك من خلال صبرها على فراقة صلى الله عليه وسلم للأيام والليالي ذوات العدد، وهو يتعبد في غار حراء.
3- الترغيب في نصرة الدعوة وأصحابها، يستفاد من قولها للنبي صلى الله عليه وسلم: "كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق".
4- أفضلية السبق إلى الخير والمسارعة فيه لنيل الأجر العظيم والمثوبة من الله عز وجل، تمثل ذلك في الخير الذي نالته حين بادرت وسبقت الخلق أجمعين إلى الإيمان بالله وتصديقه صلى الله عليه وسلم.
5- عدم التقول في الأمور بغير علم مما يُجَمِّل صاحبه بالرأي الأتم الكامل الذي لا نقص فيه ولا شك ولا ندم. تمثل ذلك في موقفها عندما اصطحبته صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ليسمع منه ما جرى له، فأجابه وبشره بأنها النبوة.
6- إنّ اليقين والثقة بالله يهونان كل شاق وعسير، تمثل ذلك في يقين وثقة أم المؤمنين بأنّ زوجها هو نبي هذه الأمة وسيخرجه قومه من مكة تبعاً لذلك، ولكن الإيمان بالله والثقة به قويا عزيمة خديجة رضي الله عنها بالثبات والصبر معه صلى الله عليه وسلم على الدعوة ومشاقها.
7- حضور البديهة وحسن الإجابة دليل على رجاحة العقل وسمو الفقه والأدب، يستفاد ذلك من حسن الجواب الذي أجابت به عندما بلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل ومن جبريل السلام، فقالت: "إن الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته".
عام الحزن
في العام العاشر من البعثة النبوية وقبل الهجرة بثلاث سنين توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها، التي كانت للرسول صلى الله عليه وسلم وزير صدق على الإسلام، يشكـو إليها، وفي نفس العام توفـي عـم الرسول صلى الله عليه وسلم أبو طالب، لهذا كان الرسـول صلى الله عليه وسلم يسمي هذا العام بعام الحزن...
المصدر:: سلسلة العلامتين